وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع وزير خارجيّة جمهوريّة إيران الإسلاميّة السيّد حسين أمير عبداللهيان وتطرّق فيه إلى الحديث عن مجريات اللقاء الذي جمع رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة والوفد المرافق له مع الإمام الخامنئي، إضافة إلى إشارة الإمام الخامنئي لدور الحاج قاسم في سوريا ومساهمته في تحقيقها الانتصار على الحرب الكونيّة التي شُنّت عليها، كما يشرح السيد عبداللهيان الرسائل التي حملها هذا اللقاء في الظروف الراهنة للمنطقة والعالم وتحليله لمواقف رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة في هذا اللقاء وتقييمه لمستقبل سوريا في ضوء روح المقاومة المشهودة لدى السيّد بشّار الأسد.
ما الذي جرى في لقاء رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة والوفد المرافق له مع الإمام الخامنئي؟ نرجو أن تخبرونا روايتكم حول اللقاء بصفتكم أحد الحاضرين فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم، لقاء رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة المحترم، السيّد بشار الأسد مع قائد الثورة الإسلاميّة [الإمام الخامنئي] في طهران، لديه بدايةً سجلّ تاريخيّ. فمنذ استشهاد اللواء سليماني حتّى تاريخ اللقاء – إذ وُفّق سيادته لزيارة طهران - فلمرّات عدة، وخلال لقاءاتي به في دمشق وأيضاً لقاءات سائر المسؤولين في بلدنا معه، كان السيّد بشار الأسد عادة في ختام اللقاء إضافة إلى تحميلنا السّلام إلى الإمام الخامنئي يقول: من بين أمنياتي أن أزور طهران مرّة أخرى وألتقي الإمام من كثب وأن تتسنّى لي فرصة التحدّث إلى سماحته. حسناً، بسبب انتشار فيروس كورونا وتفشّيه، جرى تأجيل هذا اللقاء إلى أن توفّرت فرصة إجرائه، وتمّ عقد هذا اللقاء ضمن أجواء وديّة بالكامل وأخويّة بالمطلق وكانت متأثّرة بدور جمهوريّة إيران الإسلاميّة المهمّ في مساعدة سوريا على الخروج من الحرب الإرهابيّة الشاملة خلال الأعوام السابقة.
أشار الإمام الخامنئي في اللقاء إلى دور الحاج قاسم، ورأى أنّ سلوكه تجاه سوريا رافقه التعصّب لهذا البلد ولم يكن مختلفاً عن سلوكه في مرحلة حرب الأعوام الثمانية التي فُرضت على إيران. أيّ دورٍ لعبه الحاج قاسم في تحقيق سوريا للانتصار في الحرب الدوليّة التي شُنّت عليها خلال الأعوام الأخيرة؟
حين كانت سوريا معرّضة للانهيار الحقيقي، وكان كثيرون قد قطعوا الأمل، وكثيرون يتحدّثون بحسم عن انتهاء عمل النظام السياسيّ لسوريا. في تلك المرحلة، كان لقائد الثورة الإسلاميّة إدراكٌ عميقٌ لما جرى تخطيطه لسوريا. ومع تطلّع سماحته إلى أمن المنطقة ودور سوريا في المنطقة والأمن القومي للبلاد وجّه الأمر بأن ينبغي اتّخاذ أيّ خطوة ضروريّة وتسخير القوى كلّها من أجل إلحاق الهزيمة بهذا المخطّط الموضوع للمنطقة والعالم الإسلامي. ونحن نحيّي ذكرى اللواء الحاج قاسم سليماني العزيز الذي حضر بمنتهى المسؤوليّة وأقصى درجات التعهّد قائداً شجاعاً إلى جانب الشعب السّوري، وكان له دورٌ مهمّ في مختلف الميادين انطلاقاً من الدور الاستشاري العسكريّ في المحافل العسكريّة لسوريا وصولاً إلى دوره قائداً شجاعاً في الخطوط الأماميّة وإلى جانب القوى السوريّة العسكريّة والقوى الشعبيّة السوريّة، وإلى جانب المدافعين عن المقدّسات من مختلف نقاط المنطقة، الذين بادروا على نحو تطوّعي وحبّاً في الدفاع عن حرم السيّدة رقيّة (ع) وحرم السيّدة زينب (ع) وبذلوا الأرواح. علينا ألا ننسى أن اللواء سليماني كان له دورٌ مهمٌّ للغاية في هذه المرحلة في ما يرتبط بتقوية مسار عمليّة التدريب والتنظيم والمساعدة في تعبئة القوى داخل سوريا، ولا شكّ في أنّ هذه الخطوات كلها كانت تتمّ بالتنسيق الكامل مع رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة المحترم وبناء على طلب سيادته وسائر المسؤولين الكبار في سوريا. لذلك يجدر بنا ألا ننسى إطلاقاً دور اللواء سليماني الذي كان يضخّ المعنويّات، ودور اللواء سليماني في توفير أقصى درجات الأمن للمنطقة والأمن القوميّ للبلاد. ولا بدّ هنا أن نضيف أنّ الأجواء الوديّة للقاء الذي جمع الرئيس السيّد بشار الأسد مع الإمام الخامنئي كان متأثّراً بامتزاج دماء الشهداء الإيرانيّين ودماء الشهداء السوريّين في أراضي الشام، ومتأثّراً بالأجواء المعنويّة الناشئة في ساحة المقاومة خلال أعوام الكفاح ضمن هذه الحرب الإرهابيّة في المنطقة، ومن ضمن ذلك الحرب في سوريا والعراق. لذلك إنّني حين التقيت السيّد بشار الأسد مباشرة بعد عودته من اللقاء مع قائد الثورة الإسلاميّة وجدته في غاية السّرور والفرح لتمكّنه من تحقيق أمنيته، إذ كان يسعى إلى إجراء لقاء آخر مع الإمام الخامنئي، وقال إنّني كنت أودّ أن أشكر من أعماق القلب مواقف الإمام الخامنئي والدور المهمّ الذي لعبه سماحته ضمن العالم المأزوم الحاليّ، والدّور الذي لعبه سماحته تجاه سوريا.
أيّ رسائل يحملها هذا اللقاء في ظلّ الظروف الراهنة للمنطقة والعالم؟ ما هو تحليلكم لمواقف الرّئيس بشّار الأسد في هذا اللقاء؟ مجالات التعاون بين البلدين ومكافحة محور المقاومة لمخطّطات الكيان الصهيوني كانت من بين الأمور التي أشار إليها الرّئيس الأسد.
الجانب الآخر لهذه الزيارة كان متأثّراً ببعض التطوّرات الإقليميّة والآثار العميقة للأزمة الأوكرانية، وفي الوقت عينه التطوّرات في المنطقة المحيطة بنا التي تقع غربي آسيا. زيارة الرئيس بشّار الأسد تحمل هذه الرسالة: أوّلاً علاقة طهران ودمشق علاقة مميّزة ولا يمكن إنهاؤها. وما هو ملحوظٌ في إرادة قائديْ كلا البلدين إنّما هو عقد العزم على تنمية العلاقات وترسيخها. اكتسبت العلاقات خلال الأشهر الأخيرة صورة مختلفة، فنحن ابتعدنا يوماً بعد يوم عن الأجواء العسكريّة والأمنيّة التي كانت سائدة في سوريا، وباتت الأجواء اليوم أجواء أعمال شاملة على المستويين الاقتصادي والتجاريّ وتنمية السياحة وأنواع التعاون العلميّ والتقني، وهذه الأمور من بين الأمور المندرجة على لائحة العمل عليها بين البلدين. في هذا الخصوص، أُجريت محادثات مهمّة بحضور الإمام الخامنئي وجرى تأكيد هذه القضيّة. أيضاً على مستوى رئيسي الجمهوريّة للبلدين، عُقدت اتفاقات مهمّة جدّاً ضمن إطار هذه القضايا، وتمّ استعراض الملفّات الثنائيّة كافّة. ومع الأخذ بالاعتبار مصالح شعبي البلدين، تمّ الاتفاق على الخطوات التي ينبغي تنفيذها في المستقبل بصورة واسعة. لا بدّ ألا ننسى ما أشار إليه قائد الثورة الإسلاميّة وقول سماحته إنّ سوريا اليوم مختلفة عن سوريا الأمس، وسوريا اليوم تحتلّ مكانة مميّزة في المنطقة، مع أنّ عقوبات «قيصر» المفروضة من الغرب وأمريكا تسببت في ظروف قاسية من الناحية الاقتصاديّة على الشعب السوريّ، لكنّ الشعب السوريّ كما استطاع أن يخرج من الحرب الإرهابيّة الشاملة شامخاً ومنتصراً بفضل انتهاج مسار المقاومة، سيخرج شامخاً أيضاً من هذه الحرب الاقتصاديّة. سوريا تقف اليوم في العالمين العربي والإسلاميّ في الصفوف الأولى للمقاومة في مقابل الكيان الصهيوني وتحظى بمكانة عُليا وخاصّة. وأنا أرغب في أن أؤكّد أنّ ما يُمكن استنباطه والخلوص إليه من اللقاء: إنّ المقاومة تقع اليوم في أحسن وأقوى حالاتها، والصهاينة في هذه المنطقة – رغم أنّهم يسعون إلى تطبيع العلاقات مع القليل من الدول واستعراض هذا الأمر – سيكتشفون أنّ العالم الإسلاميّ والمنطقة وحتّى العديد من حكّام هذه المنطقة لن يسمحوا بأن يكون للصهاينة المحتلّين دورٌ في هذه المنطقة.
نظراً إلى روح المقاومة المشهودة لدى السيّد بشّار الأسد والقوّة التي يتمتّع بها وقضيّة تحرير المناطق السوريّة كافّة، التي جرى تأكيدها خلال اللقاء، كيف تقيّمون مستقبل سوريا؟
عم، ما يُمكن استنتاجه من مجموع ما قاله سيادة الرّئيس بشار الأسد في لقاءيه مع الإمام الخامنئي وجناب رئيس الجمهوريّة السيّد رئيسي أنّ سيادته ماضٍ بروحيّة قويّة باتجاه صون سيادة الأراضي السوريّة. السيّد بشّار الأسد انطلاقاً من حفظه المسؤوليّة وقيادته داخل المجتمع السوريّ ورؤية الشعب السوري يسعى إلى إنهاء قضيّة وجود الإرهابيّين وتدخّل الأجانب في بلاده. وقد وجدنا الرّئيس الأسد مصمّماً على مواجهة الخطوات والانتهاكات والتدخّلات الأجنبيّة كما كان دأبه في الميدان خلال أعوام من المقاومة والصمود في وجه الحرب الإرهابيّة التي فُرضت على سوريا، وعلى أن يعمل في المستقبل ضمن مسار الصون لسيادة الأراضي السوريّة ومنع تدخّلات الأجانب ووجود الإرهابيّين والأعداء في سوريا بمنتهى القوّة، مع الاستعانة بالتلاحم الشعبي الوطنيّ.
في الختام، حبّذا لو توجّهوا كلمة أخيرة.
يحذوني الأمل في أن تجري الاستفادة من فرصة هذه الزيارة لتشكّل انعطافة ضمن مسار العلاقات بين دمشق وطهران، وأن نتمكّن من تحقيق ما يخدم مصالح كلا الشعبين والبلدين، وأن نتمكّن ضمن مواصلتنا هذا المسار من جعل البلدين يستفيدان من الإمكانات والطاقات المتوفّرة في المجالات الاقتصاديّة والتجاريّة والسياحيّة والثقافيّة والصناعيّة والعلميّة والتقنيّة، ونحن واثقون أنّ ما ينتظر منطقتنا والشعب السوري هو مستقبلٌ في منتهى الإشراق.